مجلة مدارس الأحد - ديوان الحياة الكنسية
ليسمح لنا القراء أن نستعير عنوان أستاذنا الكبير يونان لبيب رزق المؤرخ المعاصر الذي يطلقه على مجموعة مقالاته عن تاريخ جريدة الأهرام وذلك لسبب هام هو إذا كان الأهرام هو ديوان الحياة المعاصرة في الصحافة المصرية بلا شك فأن مجلة مدارس الأحد طوال عمرها الطويل كانت هي ديوان الحياة الكنسية المعاصرة فى الكنيسة القبطية، والدارس والمتابع لتاريخ الكنيسة القبطية في القرن العشرين لابد أن يقف كثيرا أمام مجلة مدارس الأحد فمع أنها لم تكن أبدا المجلة الرسمية للكنيسة القبطية إلا أنها قلب الكنيسة النابض ولسان حال الكلية الإكليريكية وصوت مدارس أحد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية التي حملت أسمها وفكرها، ومن يومها الأول اختارت لنفسها خطا واضحا أعتقد أنها لم تحيد عنه أبدا هو أنها رسالة البعث الجديد في المجتمع القبطي تحمل صوت الحق وكلمة الحق تقولها واضحة قوية دون خوف أو ضعف، أرست مبادئ واضحة جلية حاربت من اجلها بالصلاة والكلمة والعمل الجاد المستمر حتى أثمر هذا عن ترسيخ هذه المبادئ وصارت قواعد مقننة، دافعت عن الكنيسة ناقدة الأوضاع الخاطئة ومحذرة من الثعالب الصغيرة التي قد تتسلل في غفلة إلى كرم حياتنا فتفسده وتلتهم ثماره وتبقى حياتنا بلا ثمر وماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه فاهتمت المجلة بالنمو الروحي لكل فرد وأدركت أن الإصلاح – أي إصلاح – لابد أن يبدأ أولا بالفرد ثم الأسرة ثم المجتمع.
وفى جهادها الطويل على مدى أكثر من نصف قرن أصابت المجلة أحيانا كثيرة فشكرت الرب الإله الذي منحها هذا النجاح لمجد أسمه وأخطأت أحيانا فعادت في شجاعة تعترف بأخطائها واضعة نفسها بين يدي القدير الذي يكمل كل ضعف ويعالج كل نقيصة، وظلت هي الصوت العاقل الهادئ مهما أرتفع طالبة من رب المجد أن يجعل منها صدى لصوت الله يستخدمه لمجد أسمه ورفعة كنيسته.
وفى الصفحات التالية نذهب معا في رحلة عبر نحو خمس وخمسين عاما هي عمر المجلة ونحو 412 عدد هي مجموع الأعداد التي أصدرتها المجلة في هذه الفترة لنتعرف معا على أهم الملامح للمجلة ومدى التأثير التي أحدثته المجلة في المجتمع القبطي في مجال الاهتمام بالحياة الروحية والبناء الروحي للخدام والشباب والشعب واثر المجلة في التعليم الروحي ممثل في مدارس الأحد والتعليم اللاهوتي ممثل في الكلية الإكليريكية ومعهد الدراسات القبطية، كما نتعرف على أثر المجلة في إذكاء الروح المسكونية في فترة كانت الكنيسة منغلقة على ذاتها إلى أبعد الحدود، وفى رحلتنا ندرك تأثير واضح للمجلة في الأسرة المسيحية التي خصصت لها جزء كبير وهام من الوجبة الروحية التي مازالت تقدمها كل شهر، وللمجلة دور حيوي في قيادة الشباب نحو حياة التكريس الكامل بأقسامه الثلاثة وهى الكهنوت والرهبنة والبتولية أو التكريس الجزئي، ونتعرض كذلك لدور المجلة في إرساء المبادئ وروح الإصلاح والتجديد بالرجوع إلى تراث الآباء وكتاباتهم وقوانين الكنيسة التي استقرت عبر تاريخها المجيد.
المجلة والحياة الروحية
شغلت الحياة الروحية للفرد والأسرة والمجتمع أكبر مجال لاهتمامات المجلة على مدار تاريخها، فقد أدركت إدارة المجلة ومؤسسيها ومحرريها وكتابها أهمية النمو الروحي وحددت في افتتاحية عددها الأول عزمها أن تكون صدى لصوت الله الرهيب لإصلاح الفرد والأسرة والمجتمع ليجد فيها هؤلاء جميعا غذائهم الروحي، وأدركت أن الطريق المؤدى إلى الإصلاح يبدأ أولا بإصلاح الفرد ومن ثم الأسرة وأخيرا المجتمع، وأن إصلاح الفرد لا يتم بدون متابعة دقيقة لنموه الروحي والعزم على بدء حياة روحية جديدة تنطلق فيها روحه لتعيش السماء وهى على الأرض، كما أنه لا نجاح ولا فائدة من أي عمل لا يتدخل فيه الله فلابد أن يكون الله كل شيء، ومصدر كل شيء، وبه كل شيء فلن ينجح عمل إذا أنفصل عن الله فهو الطريق والحق والحياة وهذه هي كلمات المجلة التي سجلتها فى افتتاحية عددها الأول راسمة سياستها التي استمرت طوال عمرها مضيفة “لابد أن نكون رجالا شجعانا في مقاومة كل تيار يدفعنا بعيدا عن الله في أي أمر من أمورنا”.
وقد حرصت المجلة طوال عهودها المختلفة على نشر موضوعات روحية مختلفة تهدف إلى البناء الروحي للقراء تراوحت بين التأملات العميقة مثل مقال “أنت أبرع جمالا من بنى البشر” للقمص صموئيل تواضروس السريانى في عدد يونيو 1948، ومقال “يخيل إلىَ أنى أعرفه” للأستاذ نظير جيد (قداسة البابا شنودة الثالث) في عدد أبريل 1949، ومجموعة مقالات “انطلاق الروح” للأستاذ نظير جيد والتي نشرت طوال أعوام 1951 و1952 و1953 بالسنوات الخامسة حتى السابعة للمجلة، ومقال “رفيق صباي” لأحد الخدام بمدارس الأحد بالإسكندرية في عدد مايو 1952، مقال رائع للأرشيدياكون حبيب جرجس بعنوان “نفسى مشتاقة إليك يا الله” في عدد ما رس 1950، ومقال الصوم وحياتك الروحية” للأستاذ نظير جيد في نفس العدد، ومقال “ليتني كنت سمعان القيرواني” للدكتور راغب عبد النور في عدد أبريل 1950، و”هذا المصلوب” للأستاذ حبيب إسكندر بنفس العدد، ومقال “ولدى” للدكتور هنري الخولي في عدد مايو 1951، و”هل عرفت المسيح” للأستاذ كامل مجلى فى عدد ديسمبر 1952، و”المعلم قد حضر … وهو يدعوكم” للأستاذ لبيب راغب في عدد يناير 1954، و”لا مساومة مع الله” للمهندس يسى حنا في عدد نوفمبر 1961، و”من ليس له. يؤخذ منه” للمهندس يسى حنا في عدد فبراير 1964، ومقال رائع للقمص تادرس يعقوب بعنوان “الله يطلب جمال نفسك” في عدد ديسمبر 1966، بالإضافة إلى بعض السلاسل الروحية التأملية مثل “رسائل نعمة ومعرفة” للقمص ميخائيل سعد، و”المسيحى في جهاده الروحي” للأستاذ مختار فايق، و”الأغذية الروحية” للأستاذ سمير رشدي، و”حديث الروح” للأستاذ موسى وهبه، و”طريق الحرية” للأستاذ كمال حبيب (المتنيح الأنبا بيمن أسقف ملوى)، بالإضافة إلى باب “مشاكلك الروحية” الذي بدأ تحريره الأستاذ نظير جيد، وباب “بين المجلة والقراء” الذي بدأ تحريره الأستاذ وهيب عطا الله (المتنيح الأنبا غريغوريوس أسقف الدراسات القبطية).
وقد شكلت هذه المقالات الروحية الوجدان الروحي للشباب والخدام خصوصا في فترة الخمسينات والستينات من القرن العشرين وساهمت في البناء الروحي للخدام والشباب والشعب، كما ساعدت على تنمية الوعى الروحي والتأملي خصوصا مقالات انطلاق الروح التي تم تجميعها ونشرها في كتاب من إصدارات المجلة تمت طباعته أكثر من سبع طبعات على مدى نصف قرن، كما كانت مقالات التوجيه الروحي لها أثر كبير وفعال مثل مقالات “حياة التكريس” في عدد أبريل 1948، و”حياة الجهاد” في عدد أكتوبر 1948، و”حياة الخلوة” في عدد مارس 1949 وهى التي قادت آلاف الشباب إلى تكريس حياتهم في الخدمة والكهنوت والرهبنة.
كما كانت للمجلة دراسات في الكتاب المقدس قدمها في الخمسينات الأستاذ كامل متى (القمص ميخائيل متى) في دراساته لأسفار العهد القديم، وفى الستينات والثمانينات قدم القمص مكاريوس السريانى (المتنيح الأنبا أثناسيوس مطران بنى سويف) دراسات في الأناجيل الأربعة وسفر أعمال الرسل، كما قدمت الأستاذة نادية منير دراسات في الكتاب المقدس في تسعينات القرن العشرين وحتى الآن.
المجلة ومدارس الأحد
لقد حملت المجلة أسم مدارس الأحد ولم يكن ذلك مصادفة أو اعتباطاً حيث أن جميع مؤسسي المجلة كانوا من خدام ومدرسي مدارس الأحد وكان يرأس هذه المجموعة المتنيح الأستاذ إدوارد بنيامين وكان يشرف على إصدارها الأستاذ الإرشيدياكون حبيب جرجس نائب غبطة رئيس اللجنة العليا لمدارس الأحد القبطية وسكرتيرها العام كما هو مذكور في صدر صفحة الافتتاحيات وحتى عدد فبراير 1949 حينما تم رفع أسم الإرشيدياكون حبيب جرجس من المجلة تلافيا للحرج بعد الموقف الذي اتخذته المجلة من رسامة الأنبا أثناسيوس مطران الجيزة السابق والذي كانت المجلة وجموع الشباب قد قاموا بترشيح الإرشيدياكون حبيب جرجس لرسامته أسقفاً للجيزة، وبعد نياحته ومع بداية السنة السادسة للمجلة تمت تصدير صفحتها الافتتاحية بعبارة “تشرف على سياستها اللجنة العليا لمدارس الأحد”، وكانت المجموعة التي أصدرت المجلة تمثل الفروع المختلفة لمدارس الأحد في كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل بطوسون وجزيرة بدران وكنيسة الأنبا أنطونيوس بشبرا والسيدة العذراء بمسرة ومدارس الأحد بالجيزة، وكان الأستاذ إدوارد بنيامين مع مجموعة من زملائه الخدام قد أسسوا بيت مدارس الأحد لرعاية الأيتام في سنة 1942 الذي تحمل عبء إصدار المجلة فيما بعد طوال مسيرتها وحتى الآن، ولا يكاد يخلو عدد من المجلة من موضوعات تمس مدارس الأحد والخدمة فيها وأخبارها وأخبار المؤتمرات التي كانت تعقد هنا وهناك إلى جانب الأبواب المتخصصة بخدمة مدارس الأحد، كما قدمت المجلة نماذج للخدام بداية من عصر الرسل وأمانتهم في الخدمة إلى الخدام على مدى تاريخ الكنيسة القديم والمعاصر، وأبرزت أهمية اجتماعات الصلاة وأثرها في حياة الخدمة من واقع الاختبارات العملية، كما قدمت عدد من الدروس العملية وطرق تحضيرها مثل درس النيروز في عدد سبتمبر 1948، وقصة قايين وهابيل في عدد أبريل 1949، كما قدمت بعض القصص التي تصلح لخدمة الأطفال مثل قصة “على أبناء الطاعة تحل البركة” في عدد مايو 1949، وقدمت مقالاً عن الدرس الحيوي للأستاذ الأديب اسحق بطرس فى عدد يونيو 1949، وعلى مدى تاريخها قدمت المجلة دراسات تربوية للخدام ومدرسي مدارس الأحد بأقلام العديد من محرري المجلة لعل أشهرهم الدكتور سليمان نسيم والأستاذ كمال حبيب (المتنيح الأنبا بيمن أسقف ملوى) والأستاذ اسحق بطرس وغيرهم.
المجلة والإكليريكية
أدركت المجلة من بدايتها أهمية الكلية الإكليريكية ومشروعات تطويرها وخاصة القسم الليلى والقسم الجامعي النهاري، وكما يقول نيافة المتنيح الأنبا غريغوريوس أسقف عام الدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمي في مقال بمناسبة العيد الأربعين للمجلة نُشر في عدد ديسمبر 1987 بأن “مجلة مدارس الأحد جمعت عند صدورها أن تكون مجلة للكلية الإكليريكية وخدام وشباب التربية الكنسية ومدارس الأحد خاصة وأن مدارس الأحد كانت قد نشأت في أحضان الكلية الإكليريكية، وكان أساتذة الكلية الإكليريكية وطلبتها وخريجيها يعدونها مجلتهم التي يقرئونها ويدرسونها، كما كانت مجلة المنبر الأرثوذكسي الناطق بأرثوذكسية الإيمان وأرثوذكسية السيرة، وكان محرروها وكتاب مقالاتها من الإكليريكيين”.
وكان شعار المجلة في الإصلاح الذي كثيراً ما رددته وسرعان ما تحقق أن “الراعي الصالح هو الهدف الكلية الإكليريكية هي الوسيلة”، ووصفت الكلية الإكليريكية بأنها حجر الزاوية في بنائنا الجديد (عدد الإصلاح في ديسمبر 1948) وأنها ضرورة تاريخية وذلك في عدد يناير 1949 الذي دعا فيه الأستاذ الأناغنوستيس وهيب عطا الله (نيافة الأنبا غريغوريوس المتنيح) إلى ضرورة تشجيع الإكليريكية وإعلاء شأنها ومساعدتها لأداء رسالتها وتوحيد برامجها في خارج الدير وداخله، وطالب بأن لا يختار أحد لمراتب الكهنوت الثلاث جميعا بما فيها الشموسية إلا من خريجي الكلية الإكليريكية.
وتطلق المجلة على الكلية الإكليريكية لقب المعهد العزيز وذلك في معرض وصفها لحفل تخرج الدفعة الأولى من القسم الليلى والتي كان أهم خريجيها الأستاذ نظير جيد والأستاذ سليمان نسيم وهى الحفلة التي أعلن فيها الأستاذ نظير جيد أن “العالم مملوء بمن يخدمونه وأن الوظيفة الواحدة من وظائفه يتنازع عليها الكثيرون وأنا لا أقبل أن أبيع وقتي للعالم لأقبض في مقابله مالاً وكنيسة الله تفتقر إلى العاملين” وهى الكلمات التي كانت ومازالت دعوة للتكريس، كما طالب الأستاذ سليمان نسيم في كلمته التي ألقاها في هذا الحفل تحت عنوان “آمال إكليريكي” بإنشاء قسم للدراسات العليا للخريجين وإعطاء الكلية الشكل الأكاديمي، وأن تكون لها بيئة تعليمية تهيئ نفسها لتتفاعل مع مواهب الطلبة وأن تكون مثل الدير تستوعب كل وقت الطالب ليقضيه فيها محاطاً برعاية شاملة وتنظيم روحي دقيق، كما طالب بإنشاء مجلة علمية لاهوتية تصدر عن الكلية وتتضمن أبحاث الأساتذة وثمار جهودهم العلمية.
كما قامت المجلة بدور كبير في شأن أرض الأنبا رويس وأبرزت أهميتها الحيوية لمستقبل الكنيسة حتى تم نقل الكلية الإكليريكية إلى مبنى الأنبا رويس الذي كان المجلس الملى قد قام ببنائه لاستخدامه كمدرسة عليا أو خاصة، وقد أصبح هذا المبنى فيما بعد مقراً لمعهد الدراسات القبطية التي كانت المجلة من أوائل الداعين لإنشائه والمشجعين للانضمام إليه والالتحاق به، كما ضم هذا المبنى في سنوات لاحقة مقر الأسقفيات العامة الثلاث الأولى وهى أسقفية التعليم وأسقفية الخدمات وأسقفية البحث العلمي، وقد أصدرت المجلة عدداً خاصاً عن الكلية الإكليريكية ضم ثلاث أعداد معاً في بداية عام 1974، ثم عدد آخر عن الكلية الإكليريكية ومعهد الدراسات القبطية في أغسطس وسبتمبر 1993، كما قدمت عدداً خاصاً عن التعليم في القرن القبطي المنصرم في نوفمبر وديسمبر 1984 وقد حوى مقال هام للدكتور سليمان نسيم عن التعليم الروحي خلال مائة عام ومقال للدكتور موريس تواضروس بعنوان “الإكليريكية ما كانت عليه وما نرجوه لها، وفى عدد الإصلاح الذي صدر في ديسمبر 1948 حددت المجلة سبعة مطالب للإصلاح بشأن الإكليريكية تحت عنوان “الراعي الصالح هو الهدف. الكلية الإكليريكية هي الوسيلة: هذه مطالبنا في الإصلاح” وهي:
- أساس الإصلاح هو الراعي.
- الإكليريكية دير.
- هيئة تدريس ممتازة.
- طلبة موثوق بهم ومستقبل مضمون للخريجين.
- مجلس خاص لإدارة الإكليريكية.
- توحيد ينابيع الثقافة اللاهوتية.
- إجازة الإكليريكية لازمة لكل راعي.
المجلة والروح المسكونية
حددت المجلة سياستها تجاه الدعوة المسكونية والوحدة المسيحية التي بدأت مع ثلاثينات القرن العشرين وذلك من خلال افتتاحية عددها الأول بقولها “لابد أن تكون الكنيسة كلها وحدة لا تنفصل، كما أعلن الرب يسوع أنها جسده وأنه هو الرأس، ولابد أن يكون جميع أعضائها – وهم المسيحيون – مقدسين”، واتساقاً مع هذا المبدأ الهام قامت المجلة بتشجيع كل خطوة اتَخذت في سبيل هذا الهدف النبيل بداية من العودة إلى التراث القبطي السليم وإلى كتابات أباء الكنيسة الأولين في المسكونة كلها مثل القديس كيرلس الأورشليمي ومار افرام السرياني والقديس اغسطينوس والقديس يوحنا ذهبي الفم والقديس يعقوب السروجي القديس غريغوريوس اللاهوتي والقديس ساروفيم ساروفسكى، وكذلك دراسة تاريخ الكنيسة والمجامع المقدسة.
كما تابعت المجلة المحاولات الأولى لإنشاء مجلس الكنائس العالمي والذي حضر القمص إبراهيم لوقا كاهن كنيسة مار مرقس بمصر الجديدة اجتماعه التأسيسي الأول في أمستردام بهولندا في عام 1948 بصفة مراقب ثم أشترك بعد عودته في إنشاء ما سمى باتحاد الكنائس في مصر في غضون عام 1950 وقد كان للمجلة رأى فى هذا الاتحاد وتحفظ تجاه أسمه حيث أن الكنيسة هي كنيسة واحدة مقدسة جامعة رسولية، كما كان لها تحفظ آخر حول دوره وذلك في مقالين للأستاذ نظير جيد في عدد أبريل 1951 والدكتور وليم الخولي في عدد يونيو 1951، وقد كان هناك خلاف في الرأي حول الصلاة مع ممثلي الكنائس الأخرى التي تخالفنا في العقيدة، وهل الهدف من “اتحاد الكنائس” هو الوحدة الكاملة ومناقشة المسائل اللاهوتية والخلافات العقائدية في موضوعية كاملة أم مجرد تعاون لحل المشاكل التي تقابل المسيحيين في مصر والعالم، ورغم هذا الخلاف في الرأي نحو المبادئ إلا أن علاقة القمص إبراهيم لوقا بالمجلة كانت قوية، وقد نشرت له في عددها الأول مقال عن مدارس الأحد ورسالتها للكنيسة، وعند نياحته في 20 ديسمبر 1950 أعلنت المجلة في مقال للدكتور هنري الخولي أنه بالرغم من اختلافنا مع القمص إبراهيم لوقا إلا أننا كنا نحبه وأنه كان عظيماً في الإيمان والفضيلة والجرأة، وكان مؤمناً إيماناً حقيقياً بوظيفته وخدمته، فكم جثا على ركبتيه مصلياً بدموع إلى جنب شاب يشكو في اعترافه من سلطان الخطية، وكانت حياته العائلية صورة ناصعة لأب لم ينشغل رغم خدماته المتعددة عن الاجتماع مساء كل يوم مع بيته لقراءة الكتاب المقدس والصلاة معهم بشغف ولذة، وهكذا قدمت المجلة أروع صورة لاحترام الرأي الآخر وأن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.
وقد عادت المجلة بعد أن رأت الثمار الناجحة من تمثيل الكنيسة القبطية في الدورة الثانية لمؤتمر مجلس الكنائس العالمي الذي عقد في إيفانستون بالولايات المتحدة في أغسطس 1954 بحضور القمص مكارى السريانى (المتنيح الأنبا صموئيل) والقمص صليب سوريال والأستاذ الدكتور عزيز سوريال، وفى اجتماع اللجنة المركزية للمجلس بسانت أندروز بإسكتلندا في أغسطس 1960 والتي حضرها القمص مكارى السرياني الذي كان قد مكث سنة كاملة في الولايات المتحدة الأمريكية حصل خلالها على درجة الماجستير في التربية الدينية من جامعة بريستول فى عام 1955، فعادت المجلة ونشرت ريبورتاج مصور عن المؤتمر الثالث لمجلس الكنائس العالمي الذي مثل فيه الكنيسة القبطية وفد رفيع من نيافة الأنبا يؤانس مطران الخرطوم والقمص مكارى السريانى والقس يوسف عبده كاهن كنيسة السيدة العذراء بالزمالك والدكتور ميخائيل عياد رئيس تحرير مجلة مدارس الأحد في ذلك الوقت والأستاذ إسكندر قصبجي والأستاذ تادرس ميخائيل أعضاء المجلس الملى، وقد عقدت هذه الدورة في نيودلهي بالهند في نوفمبر 1961 وكان موضوعه “يسوع نور العالم” ونشرت عنه المجلة في أعداد نوفمبر 1961 ويناير 1962، وفى عدد يناير 1957 تنشر المجلة بحثاً مسكونياً رائعاً للقمص مكارى السريانى عن الكرازة المرقسية والعالم ذاكراً المجهودات التبشيرية للكنيسة القبطية من أيام الرسل وحتى الآن في أسيا وأوروبا خاصة فى بلجيكا وسويسرا وقبرص ورودوس وأيرلندا، وبداية من عدد يناير 1958 تبدأ المجلة في نشر باب جديد بعنوان “هذه الكائنة من أقاصي المسكونة إلى أقاصيها .. الكنيسة الأرثوذكسية الجامعة” وأحتوى هذا الباب على مقالات رائعة للدكتور نصحى عبد الشهيد عن الكنائس الأرثوذكسية الرسولية وغير الرسولية، والخلاف بين الكنائس الخلقيدونية واللاخلقيدونية مبشراً بالوحدة بين مختلف الكنائس الأرثوذكسية وأن الخلاف هو فى طريقة التعبير والألفاظ المستخدمة أكثر مما هو فى الحقيقة اللاهوتية نفسها، ثم قام الباب بتغطية بعض الأحداث الهامة مثل زيارة غبطة مار أغناطيوس يعقوب الثالث بطريرك كرسي أنطاكية وبعض المطارنة السريان، وزيارة القس جورج خضر الأمين العام لحركة الشبيبة الأرثوذكسية، والزيارة التي قام بها القمص كيرلس الأنطوني (المتنيح الأنبا باسيليوس مطران الكرسي الأورشليمي والشرق الأدنى) لنيافة الأنبا أثيناغورس بطريرك القسطنطينية في أثينا أثناء زيارته لليونان في أبريل 1959، كما قامت المجلة بنشر بعض الرسائل المتبادلة بين قداسة البابا كيرلس السادس وبعض رؤساء الكنائس الأرثوذكسية فى سوريا وموسكو وأديس أبابا ولبنان والقسطنطينية وبلغاريا، ثم تكلمت عن الأرثوذكسية في الغرب، وسلسلة مقالات عن إيبارشيات الكرسي الإسكندري خارج مصر كتبها القمص صموئيل تواضروس السريانى، سلسلة مقالات أخرى عن مشاكل الخدمة في أفريقيا كتبها الدكتور زاهر رياض في عام 1965.
وتابعت المجلة تأسيس كنائس المهجر من أول قداس أقيم في لندن في أغسطس 1954 والذي أقامه كل من القمص مكارى السريانى والقمص صليب سوريال في طريق ذهابهم للولايات المتحدة وحضره الأستاذ وهيب عطا الله الذي كان موجوداً في مانشستر بإنجلترا لدراسة الدكتوراه، ثم سفر القس مينا إسكندر من الإسكندرية إلى ألمانيا وجولاته في أوربا لتفقد الطلبة الأقباط في عام 1961، ثم رسامة الشماس وجدى إلياس باسم القس مرقس مرقس للخدمة في أمريكا الشمالية في أغسطس 1964، كما نشرت المجلة التقرير الهام الذي كتبه القمص مكاريوس السريانى (المتنيح الأنبا أثناسيوس مطران بنى سويف) بعد عودته من رحلته إلى كينيا وأوغندا وجنوب أفريقيا وأثيوبيا ورفعه إلى قداسة البابا كيرلس السادس في عدد سبتمبر 1961 ونوفمبر من نفس العام، وقد تضمن هذا التقرير عدة اقتراحات لعل أهمها ضرورة تأليف هيئة قبطية في مصر لخدمة شعوب الكرازة المرقسية خارج مصر وذلك ما تحقق بعد ذلك بنحو العام برسامة القمص مكارى السريانى أسقفاً للخدمات العامة والاجتماعية باسم الأنبا صموئيل وأصبح مسئولاً عن العلاقات المسكونية للكنيسة القبطية، وفيما بعد قام قداسة البابا شنودة الثالث بسيامة القس أنطونيوس البراموسي في يونيو 1976 باسم الأنبا أنطونيوس مرقس أسقفاً عاماً لشئون أفريقيا ومقره نيروبي بكينيا، ثم الأنبا بولس أسقفاً عاماً لخدمة الكرازة في يونيو 1995، ثم أصبح للكنيسة القبطية أكثر من عشر أساقفة بالمهجر خارج مصر من ضمنهم فرنسي وهولندي وإنجليزي وأثنين من الإريتريين.
كما قدمت المجلة في عدد فبراير ومارس 1960 عدداً خاصاً عن الكرازة ومسئولية مدارس الأحد إزاء الكرازة وأثر الكرسي المرقسي على العالم المسيحي، وملامح الكرازة المرقسية وكنيستها في أفريقيا وأثيوبيا والكرسي الأورشليمي، كما قامت بتغطية اجتماع الكنائس الأرثوذكسية في يناير 1966 في ضيافة قداسة البابا كيرلس السادس في عدد رائع عن الكنيسة الجامعة والوحدة المسيحية أشترك في تحريره وكتابة أبحاثه مختلف الكنائس الشرقية ومجلس الكنائس العالمي الذي كتب سكرتيره التنفيذي لقسم الإيمان والنظام بحثاً رائعاً عن الوحدة في الكنيسة والعالم.
المجلة والأسرة المسيحية
لقد أدركت مجلة مدارس الأحد أهمية الأسرة بالنسبة للإصلاح وأعلنت أن سياستها فى الإصلاح تبدأ بإصلاح الفرد والأسرة والمجتمع، ولابد من إصلاح الأسرة ودعم بنيانها الاجتماعى وتأسيس كيانها الروحى والحفاظ على سلامة أخلاقياتها التى يجب أن تخضع لوصايا السيد المسيح وتقاليد الكنيسة، وقد ناقشت المجلة طوال سنواتها الموضوعات المتعلقة بالأسرة مثل مبادئ تربية الأطفال ومناقشة الخلافات الزوجية واختيار الزوجة الصالحة، وشرح لصلوات الإكليل المقدس وسر الزيجة المقدس، ففى العدد الأول نجد مقالاً عن روحانية الطفل للأستاذة ايريس حبيب المصرى، وتابعت المجلة هذه المقالات فنشرت مقالاً بعنوان “إليك أيها الوالد” فى مايو 1948، ومقالاً عن “كيف تسعد العائلة” للأستاذ سليمان نسيم موضحاً أهمية الاجتماع الروحى العائلى كما أفردت صفحة للمرأة نشرت عدد من المقالات الخاصة بالمرأة والأسرة، كما نشرت سلسلة من المقالات للأستاذ وليم سليمان عن الغريزة الجنسية والزواج ومشاكله بداية من عدد أغسطس 1949، كما نشرت للأستاذ كمال حبيب (المتنيح الأنبا بيمن أسقف ملوى) سلسلة هامة فى مبادئ التربية الحديثة فى عام 1953، ودراسات فى التربية بعنوان “أباء وبنون” للأستاذ موريس ميخائيل تناولت أهمية الأسرة التى هى المعلم الأول للطفل فى عدد سبتمبر 1953، والسنة العاشرة للمجلة أفردت عدد مارس وأبريل 1956 كعدد خاص عن العائلة القبطية يعتبر من أهم المراجع عن الأسرة القبطية وتاريخها عبر العصور وأصالة البيت المسيحى ودور كاهن العائلة ووسائل التعاون بين الكنيسة والأسرة وبعض النماذج لعائلات قبطية من التاريخ وأوضحت أهمية تنمية الفضائل داخل الأسرة مثل مقال الصوم فى العائلة، والمنطق الإلهى في تأسيس الأسرة المسيحية.
وفي عدد أغسطس 1956 نشرت المجلة مقالاً رائعاً بعنوان بين الكنيسة والبيت عن طقوس الفصح التى تتم فى البيت وأهمية أن تقدس الأسرة يوم الأحد من خلال طابع خاص به، وفى عدد أبريل ومايو 1958، وفى الاتجاه نحو مجتمع قبطى متماسك يكتب الأستاذ كمال حبيب مقالاً عن “الحاجة إلى الترابط بين الأسرة والكنيسة” والتى يدق فيها ناقوس الخطر من ضعف العلاقة بين الكنيسة والأسرة والعبادة الروتينية وأزمة الثقة بين الراعى والأسرة، وطالب الكنيسة أن تحطم الحجاب بينها وبين الأسرة، ويرسم بعض الخطوط العريضة لوشائج التعاون بين الأسرة والكنيسة، وفي عدد يوليو 1961 يكتب الدكتور صادق أنطونيوس بقطر مثلا عن الأسرة عماد المجتمع يسجل فيه لمعهد الدراسات القبطية تنظيمه مؤتمراً لدراسة شئون الأسرة ولخص نواحى احتياجات التكوين الاجتماعى للأسرة فى المجتمع القبطي.
وفى أعوام 62 – 66 يحرر الدكتور رودلف مرقس ينى سلسلة جديدة عن عائلات القديسين وهى سلسلة من المقالات الأسرية الرائعة عن بعض الأسر المسيحية التى قدمت نماذج من القديسين والشهداء على مر التاريخ مركزا على الدور الأساسى للأسرة فى تسليم الأيمان والنمو الروحى لأفرادها وبداية من يناير 1965 تبدأ المجلة فى نشر سلسلة أسرية جديدة باسم سلسلة بحوث الأسرة بالتعاون مع أسقفية الخدمات العامة بدأتها بمقال عن الكنيسة والأسرة المسيحية وتابعت طوال ثلاثة أعوام فى 22 حلقة مقالات عن الأسرة تناولت شتى الموضوعات عن الزواج المسيحى وقانون الأحوال الشخصية والفضل الأول فى حياة الأسرة واختيار شريك الحياة ومشكلات البيت الجديد والحماة وانسجام الحياة الزوجية وأهمية الصلاة والآسرة والخطوات العملية للرعاية الروحية للأسرة، كما قدمت الأستاذة نادية منير بعض المقالات المتنوعة عن الطفل ومراحل نموه وسلسلة عن التليفزيون فى حياة أطفالنا ومقالات عن الأسرة المسيحية وتباين الأجيال، كما قدمت المجلة خلال عامى 1999 و2000 سلسلة مقالات عن مشكلات أسرية فى الكتاب المقدس ناقشت من خلالها بعض المشكلات الأسرية من خلال دراسة كتابية لأسرة من الكتاب المقدس وطرق حل أو تلافى مثل هذه المشكلات فى الأسرة ومدارس الأحد، كما قدمت باباً جديداً عن الأسرة للمهندس شوقى توفيق مازال يتابع كتاباته فيها.
المجلة وروح الإصلاح
أرست المجلة على مدى عمرها مجموعة مبادئ هامة، وفى افتتاحية عددها الأول حددت سياستها نحو طرق باب الإصلاح المغلق الذي كان الجميع فى ذلك الوقت ينشدونه دون أن يتقدموا خطوة واحدة، وفى كلمات قوية وواضحة تعلن المجلة أنه “بيد قوية – هى يد الله العلى القدير – تصدر مجلة مدارس الأحد، وما قصدنا من إصدارها زيادة عدد ما يصدر من مجلات.. ولكننا رغبنا فى أن نبعث بعثاً جديداً فى المجتمع القبطى، فلقد مر أكثر من نصف قرن والجميع ينشدون الإصلاح وما تقدموا نحوه خطوة واحدة، ذلك لأن الطرق التى سلكوها –مع رغبتهم الصادقة فى الإصلاح- لم تكن هى الطريق المؤدى إليه. ولقد عقدنا العزم –بمشيئة القدير- أن نطرق هذا الباب المغلق –باب الإصلاح- لنستقبل حياة جديدة”، وأعلنت المجلة مراراً أن ما يقودها فى طريق الإصلاح هو مجموعة مبادئ تستمد من تراث الكنيسة الخالد، وفى البداية أرست المجلة مبدأ أن الراعى الصالح هو الهدف وأن الكلية الإكليريكية هى الوسيلة، وساهمت المجلة بأفكارها العملية ومجهودات محرريها والتحاقهم بالكلية الإكليريكية على النهوض بهذه الوسيلة الحيوية فتم النهوض بالإكليريكية وتشجيع القسم الجامعى النهارى والليلى وإنشاء معهد الدراسات القبطية التى لعبت المجلة دوراً كبيراً فى الدعوة لإنشائه وتشجيعه ومتابعة أخباره ودعمه للقيام بدوره الهام والحيوى.
وكما أرست المجلة مبادئ هامة خاصة بالإكليريكية والتعليم اللاهوتى فى الكنيسة القبطية فقد جاهدت وحاربت من أجل مبدأ اختيار الراعى الصالح وهو الأب البطريرك فطالبت باختياره من بين الرهبان والعودة إلى المبدأ الأصيل الذي استقر في تاريخ الكنيسة لسنوات طوال وكان قد بدأت مخالفته فى الربع الثانى من القرن العشرين باختيار الأنبا يؤانس مطران البحيرة بطريركاً للكرازة المرقسية فى عام 1929، ثم الأنبا مكاريوس مطران أسيوط الذي خلفه على الكرسي فى عام 1944، ثم الأنبا يوساب مطران جرجا فى عام 1946، وبعد نياحته ظل الكرسى شاغراً حوالى سنتين ونصف وجاهدت المجلة طوال هذه الفترة وقبلها فى ترسيخ مبدأ اختيار البابا من الرهبان، ونشرت بحثاً قيماً فى هذا الصدد للعلامة الأستاذ يسى عبد المسيح فى عدد يونيو ويوليو 1954، كما كتب الدكتور وليم الخولى سلسلة من المقالات بعنوان البطريرك الذي نرجوه ففي عدد يناير 1950 كتب عن الرئاسة الدينية، وفى عدد فبراير 1950 عن صفات البطريرك، وفى عدد مارس 1950 عن استخدام الكفاءات، ثم عن مسئوليات البابا فى نفس العدد ومؤهلاته فى عدد أبريل 1950، وفى أسلوب عملى حدد معالم لائحة اختيار البطريرك فى عدد سبتمبر من نفس العام، وفى عامى 1955و1956 قدمت المجلة بعض الأبحاث فى نفس المجال مثل شروط البابا فى التشريعات فى عدد أغسطس وسبتمبر 1955 ومن ينتخب البطريرك فى نفس العدد، ومقال عن البطريرك الذي نرجوه في عدد ديسمبر 1956 حول شروط البطريرك ومسئولياته، كما قدمت الأستاذة أيريس حبيب المصرى بحثاً عن القرعة الهيكلية فى عدد نوفمبر 1957، وبحث حول عدم جواز اختيار البابا من بين أساقفة أو مطارنة المدن المختلفة للدكتور وليم سليمان فى عدد فبراير 1957، ومقال آخر له حول مبادئ القانون الكنسي لاختيار البطريرك الذي نرجوه في عدد يوليو 1957، ومقال ثالث لنفس الباحث عن حق الشعب فى اختيار البطريرك ودور الأساقفة فى إقامته وهو بحث مطول نشر فى عدد أكتوبر 1957، وقد كللت هذه الجهود التى بذلتها المجلة ومحرريها بالنجاح وبالفعل تم اختيار الراهب المتوحد القمص مينا البراموسي بطريركاً للكرازة المرقسية باسم البابا كيرلس السادس فى 10 مايو 1959.
كما قامت المجلة بدورها فى نقد الأوضاع الخاصة بالمجلس الملى فقامت بدراسات عديدة حول المجلس الملى وتاريخه والقواعد المنظمة لاختيار المرشحين لعضويته وشروط الناخبين، وحينما شرع المجلس الملى لائحة خاصة به تضمنت بعض الشروط الخاصة بمرشحيه وناخبيه انتقدت المجلة هذه اللائحة التى تجعل من المجلس مجتمع أرستقراطى على حد تعبيرها وبالفعل تم تعديل هذه اللائحة لتتجاوب مع رغبات الشعب القبطى بأسره التى عبرت عنها المجلة بصدق وأمانة.
ومع هذا الخط الإصلاحى القويم فإن المجلة اتخذت لنفسها خط مميز يقول كلمة الحق دون جنوح أو شطط وهى تؤمن أنه لا يمكن إصلاح خطأ بخطأ آخر، وقد أوضحت المجلة سياستها هذه فى معرض تقريرها عن جلسة عقدت مع ما سمى باللجنة القبطية المستقلة المشكلة برئاسة الأستاذ مراد وهبه فى غضون عام 1954وعارضت فيه المجلة الهجوم على رجال الإكليروس وتجريدهم من السلطان الإلهى المعطى لهم، وأكدت المجلة على كوننا كنيسة لا دولة نحتاج إلى قادة روحانيين ورعاة يقودونا فى حياتنا الروحية لا إلى حكومة قبطية قومية وتؤكد أن الطريق الوحيد إلى الإصلاح هو إيجاد الراعى الصالح، وأهمية أن يكون المجلس الملى هو مجلس شمامسة طبقاً للوضع الإنجيلى السليم ونشرت هذا التقرير فى عدد فبراير 1954.
كما أصدرت المجلة عدداً خاصا ًعن الإصلاح فى ديسمبر 1948 أكدت فيه أن عماد الإصلاح فى مفهوم المجلة وحجر الزاوية فيه هو الروح الكنسى فى صورته الحقيقية ونشرت فيه دراسة مستفيضة للدكتور وليم سليمان عن تاريخ المجلس الملى فى ثلث قرن من عام 1862 وحتى عام 1893، كما حوى مقالة للدكتور وليم الخولى بعنوان “مشاكلنا لا تحل فرادى”، والأستاذ وهيب عطا الله عن ضرورة الإكليريكية “حجر الزاوية فى بنائنا الجديد”، ومقال رائع للدكتور راغب عبد النور “الثعالب الصغيرة” محذراً فيه من الخطايا الصغيرة والسهوات والعثرات وأكد فيه أن إصلاح الكنيسة والمسكونة كلها لا ينفع شيئا إذا ظلت نفوسنا الخربة محتاجة إلى إصلاح فماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه، كما نشرت المجلة فى عدد نوفمبر وديسمبر 1955 رسالة تاريخية كان قد كتبها الأنبا مكاريوس مطران أسيوط (المتنيح قداسة البابا مكاريوس الثالث) والأنبا ثاؤفيلس مطران منفلوط فى عام 1920 مرفوعة إلى قداسة البابا كيرلس الخامس طالباه فيها بإنشاء رهبنة جديدة من طلبة العلم، وإنشاء جامعة لاهوتية فى دير السيدة العذراء الشهير بالمحرق، وتوحيد الأوقاف بالبطريركية، وتعيين مرتبات للأساقفة والقسوس والوعاظ والشمامسة والمرتلين، وتسجيل أسماء فقراء الشعب والمتعطلين والمعوقين لعلاج مشاكلهم، وهكذا كانت المجلة محتضنة ومشجعة لكل فكر أو رأى أو عمل يؤدى للإصلاح المنشود.
المجلة وحياة التكريس
واكب ظهور المجلة فى عام 1947 ظهور دعوة للتكريس بين الشباب الجامعى استجابة لدعوى الحركة الإصلاحية التى كانت فى أوج قوتها والتى كانت هدفها أساساً الراعى الصالح، واستجابة لهذا الهدف النبيل الذي تبنته مجلتنا بدأ موكب التكريس برسامة المهندس ظريف عبد الله كاهناً على كنيسة الملاك بدمنهور باسم القمص بولس بولس فى 8 مارس 1948، ثم الأستاذ سعد عزيز الذي ترك العالم وترهب مع القمص مينا المتوحد (المتنيح قداسة البابا كيرلس السادس) فى 17 أبريل من نفس العام باسم الراهب مكارى (المتنيح الأنبا صموئيل)، ثم الأستاذ وهيب زكى أستاذ القانون بالكلية الإكليريكية الذي رسم كاهناً على كنيسة مار مرقس بالجيزة باسم القس صليب سوريال فى 30 مايو من نفس العام، وتلاهم الدكتور يوسف إسكندر الذي لحق بأخيه الراهب مكارى وترهب باسم الراهب متى (القمص متى المسكين الأب الروحى بدير أبو مقار ببرية شيهيت) وذلك فى 10 أغسطس من عام 1960 الذي يستحق لقب عام التكريس وقد خصصت المجلة عدداً خاصاً بمناسبة مرور نصف قرن على عام التكريس فى عام 1998.
وباركت المجلة موكب التكريس الذي بدأ ونشرت أخباره وأخبار عمل النعمة فى خدمتهم سواء فى دمنهور أو الجيزة، أما الأباء الرهبان مكارى ومتى فقضيا جوالى عامين مع القمص مينا المتوحد ما بين مصر القديمة ودير الأنبا صموئيل المعترف بجبل القلمون الذي لم يكن معترفاً به فى تلك الفترة فلما صدر قرار بابوى بعودة الأباء الرهبان إلى أديرتهم انضما إلى دير السريان وبدأت تحت قيادة نيافة المتنيح الأنبا ثاؤفيلس أسقف ورئيس الدير نهضة روحية كبيرة فى مطلع النصف الثانى من القرن العشرين سجلتها المجلة فى مقال رائع لرئيس تحريرها فى ذلك الوقت الأستاذ نظير جيد (قداسة البابا شنودة الثالث) فى عدد فبراير 1951 بعنوان “تمنيت لو بقيت هناك” عن زيارة لدير السريان أنتقد فيها تباطأ الشباب الراغب فى الرهبنة وتعللهم بعدم وجود الوسط الروحى المطلوب فى الأديرة فى ذلك الوقت، وقال أنه حينما ذهب إلى دير السريان تمنى ألا يرجع وأن يبقى هناك وهو ما حدث بالفعل بعد ذلك التاريخ بنحو ثلاث سنوات، ويعتبر هذا المقال من أروع ما كَتب عن الأديرة وطرق الوصول إليها ومدح فيها أسقف الدير ورئيسه نيافة الأنبا ثاؤفيلس الذي يقود مجموعة من الرهبان معظمهم من الشباب الجامعى وخدام مدارس الأحد، وذكر أعماله حيث أقام متحف لآثار الدير، وأنشأ مطبعة لطباعة ونشر كنوز الدير من المخطوطات، وأقام مدرسة جديدة عهد بالإشراف عليها إلى القس مكارى السريانى ليدرس فيها الرهبان واللاهوت والعقائد والطقوس وتاريخ الكنيسة ودرس الكتاب المقدس وأقوال الأباء واللغة القبطية وقد كان لكل راهب كراساته الخاصة ومذكراته وكان الأب الأسقف فهو يحضر بنفسه جالساً مع الرهبان هذه الدروس، وبعد أن مكث يومين مع الملائكة الأرضيين على حد تعبيره عاد إلى القاهرة مرة أخرى رغما عنه لوجود خدمات وأمور فى الطريق، وقد كان من نتائج هذه الزيارة المباركة مقالات انطلاق الروح التى ما أن كتب أخر حلقاتها حتى كان قد أنضم لهذه الطغمة، وأعتقد أن هذه المقالة بالإضافة إلى مقالات انطلاق الروح قد قادت العشرات فى ذلك الوقت للتكريس الكلى والرهبنة خاصة فى دير السريان.
وكما قدمت المجلة جيش من المكرسين بداية من رئيس تحريرها الأسبق الذي جلس على كرسي مار مرقس فى 14 نوفمبر 1971، وعشرات من الأباء الأساقفة منهم الأنبا غريغوريوس والأنبا صموئيل والأنبا أثناسيوس والأنبا يوأنس والأنبا بيمن والأنبا موسى وغيرهم ومئات من الأباء الكهنة والأباء الرهبان، قدمت المجلة كذلك عشرات من المكرسين المتبتلين منهم الدكتور نصحى عبد الشهيد الذي قاد حركة تكريس جبارة فى الكنيسة القبطية من خلال بيت التكريس لخدمة الكرازة ومؤسسة القديس أنطونيوس لدراسات الأباء والمركز الأرثوذكسى للدراسات الأبائية.
خاتمة
وبعد فهذه دراسة سريعة أبحرنا خلالها على مدى أكثر من نصف قرن لنتعرف فيه على الدور الفعال والمؤثر الذي قامت به مجلة مدارس الأحد ديوان الحياة الكنسية لخدمة الكنيسة القبطية ودعم دورها فكانت واحدة من أشهر المجلات القبطية وأطولها عمراً وأوسعها تأثيراً، وقد قادت الفكر الكنسى بين الشباب للعودة به إلى تراثه السليم ومنابعه النقية وتنقيته من الشوائب والمخالفات التى علقت به فى أزمنة الضعف، فما أشد الفرق بين عصر بدأت فيه المجلة وعصر وصلت بالكنيسة إليه، عصر كان فيه النور شحيحاً إلى عصر أصبح فيه الظلام غريباً، عصر عزت فيه أدوات المعرفة إلى عصر ساده روح العلم والتنوير، عصر كانت كلمة الرب فيها عزيزة بين عدد محدود من الشباب وخدام مدارس الأحد إلى عصر نهضة روحية عمت الشعب كله، صحيح أنه ما زالت هناك بعض الغيوم التى يرسلها عدو الخير ليعوق نمونا ويعكر صفاء سمائنا لكن الأمر يتطلب منا يقظة روحية لنكشف أعماله ونطرح عنا ثيابه الرديئة التى يريدنا أن نعود لنلبسها، يحتاج منا أن نراجع أنفسنا باستمرار لنسد عليه كل فرصة يريد أن يتسلل منها لينتزع سلامنا ونجاحنا وثباتنا فى الرب يسوع، الرب قادر أن يبارك خدمته ويتمم رسالة المجلة التى أعطاها لها لنشترك جميعا فى العمل معه لمجد أسمه القدوس وخدمة كنيسته المقدسة.